[هذا النص هو كلمة الفنان التي كتبها سنة ٢٠١٠ حيث عرض هذا العمل في معرض "محكيٌّ، مخفيٌّ، مُعاد" في المتحف العربي للفن الحديث]
ذلك البيت الذي بناه ابي (كان يا ما كان)
في بيت العائلة، وفي غرفة والدي التي هي مضيفه ومقعده، ارتبكت قدماي وأنا أدخلها بعد غربة سنين طويلة، كانت ملابسه، التي مازالت معلقة هناك، أول ما وقعت عيني عليه، كانت لحظة شديدة الكثافة.
هذا إذاً ما تبقى من أبي؟
كوفية، عقال، مسبحة وثوب، كانت هي في عمق هويته ووجدانه، وكانت هي، مع دلال قهوته، هيبته وكرامته وانتماءه.
كانت معلقة هناك، مرتفعة، مرتبة كما دائماً، وجاهزة للارتداء، تماماً كما كان والدي يعلقها بيديه، كانت تنتصب على الجدار ومن حولها أطياف وخيالات عائمة، قلقة، لا استقرار فيها، تتحرك مع صوته الذي مازال يملأ الغرفة مع رائحة القهوة ومواويل حزينة نسجت بعناية.
هذا إذاً ما تبقى من أبي؟
أشياء
ذكريات
عشق مازال ينبض في وجه أمي
وحكايات لم تكتمل…
كانت لحظة شديدة الإرباك.
اختفى فيها عالم وانبثق عالم آخر أجمل وأحلى،
هناك كنت أجلس جوار أبي، في حضنه، على كتفيه، أدور
حوله وحول أمي، أتنقل بين حضنين، وجهين، ومحبتين،
أحلم، أنشد وأغني، أرقص، ألعب وأرسم…
يا إلهي، من أين تأتي الذكريات؟
وأين تذهب؟
أين تختفي وفي أي خزانة توضع؟
وكيف تعود بكثافة يختفي معها العالم، لتختفي مرة اخرى
في صيغة حكاية كانت في يوم ما ؟
حكاية تضيع فيها حدود الأشياء وتذوب في عالم لا أطراف له.
أشعر بالرعشة وأنا أنظر الى ذلك الآن،
رعشة وعي.
تخيل أن قامتك ترتفع للأعلى، وتطول أكثر فأكثر، فوق كل الأشياء، ثم تنحني لتنظر الى الأسفل… عندها سترى نفسك في الحشد تتحرك بانفعال داخل زحمة الأشياء والعواطف، حينها ستفقد توازنك وتدرك أنك لست اكثر من قصة قصيرة، أو حكاية ضائعة بين كون من الحكايات التي لا نهاية لها…
وستعرف أنك أنت الحكاية والحكواتي.
أينما ذهبنا
وكيفما تغيرنا أو كبرنا،
كان يا ما كان هي الكلمات التي نحملها معنا
نحن إليها و … تدفعنا نحو ذكريات وأزمان،
أشياء وأماكن،
صور وأناس لا يمكن أن تنفصل عنا.
كان يا ما كان هي ما نحن عليه.
كان يا ما كان هي أنا حين ولدت، و حين كنت طفلاً. هي أنا قبل لحظات وستبقى أنا حين أموت.
كان يا ما كان هي طفولتنا، مدرستنا، أصدقاؤنا وأسرتنا، أحلامنا، حاجاتنا ورغباتنا ...
هي حياتنا التي نحملها وتحملنا.
The house that father built, ( Once upon a time ) from Sadik Kwaish Alfraji on Vimeo.